الفرق بين الابتلاء والعقوبة

الفرق بين الابتلاء والعقوبة ما يحدده هو العبد ليست الواقعة، فالفرق لا ينبع من الهيئة الخارجية التي وقعت عليها الواقعة فقد تبدو العقوبة على من يراها أخف من الابتلاء.

لذا نتعرف على الفرق بين الابتلاء والعقوبة وأنواع الابتلاءات والعقوبات وكيفية التعامل معهم من خلال موقع زيادة.

الفرق بين الابتلاء والعقوبة

كثيرًا ما نقع في وقائع ومشكلات وتزداد علينا الهموم وتثقل على صدورنا الدنيا وما فيها، فيضيق صدرنا من كل شيء حتى نظن إنها لن تفرج أبدًا

فإن تلك هي سُنة من سُنن الحياة، واختبار من اختبارات الله للعبد الصالح، فحينما نراجع سيرة الرسل والأنبياء والصالحين لن نجد أحدًا عاش حياته عيشة رخاء ونعيم، فقد قال الله سبحانه وتعالى: “َقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ (4)” سورة البلد.

بل إن تلك الابتلاءات هي النار التي يمر عليها العبد لمعرفة معدنه إن كان نفيس أو رديء، فالعبد الصالح هو من يخرج من نار الابتلاء وهو كالألماس، فإن تعاملنا مع الدنيا لا يجب أن يتجاوز التعامل هيئة مسافر من حافلة انتقاله.

فهي فترة مرحلية دنيوية، سوف يمر بها العبد للانتقال إلى دار الخلود في الآخرة، ومن هنا يمكن أن نعود لعنوان الموضوع وهو الفرق بين الابتلاء والعقوبة، فقد يمر على العبد الكثير من لحظات الشقاء فيستغلها الشيطان ليوسوس له حتى يكسر عزيمته ويقتل صبره العظيم.

فبعد أن يجد الشيطان إنه لن يقدر على كسره بمعصية الله، يسلك طريق آخر وهو محاولة توجيهه للشك في تقبل الله لعبادته وصبره، فيجعله يظن إن ابتلائه ما هو إلا عقوبة من الله على معصيته!

من هنا يجب أن نقف على تحديد الفرق بين الابتلاء والعقوبة، فإن الفرق الجوهري بين الاثنين يأتي فيما يحمله ويتتابعه ولا ينحصر في إطار معين نحدد من خلاله.

حيث إن الابتلاء لا يصيب إلا عبدًا صالحًا، ويكون اختبارًا لدينه وقوة إيمانه، ولبيان ثقته وتوكله على الله سبحانه وتعالى، بالتالي تترسخ القيم الدينية في نفسه وقلبه، ويكون قويًا تجاه البلاء صابرًا لا تتسبب المصائب ولا الأضرار في زعزعة عزيمته.

بينما قد يظن العبد العقوبة إن أصابته أنها خير، وفي باطنها الشر المبين، وهي العقوبة في الدنيا التي لا يعلمها العبد إلا حين وصوله للآخرة، فيرى فيها وعد الله تعالى لمن ابتعد عن مرضاته وترك سبيل السير إليه.

على سبيل المثال قد يظن العبد أن المال الذي سرقه هو خير له، لكن الحقيقة هو عقوبة من الله له، فالمال الحرام ذنبه عظيم في الآخرة.

كما نتعرف على ماهية كل من الابتلاء والبلاء والعقاب، وكيفية التعامل مع كل منهم مما أوصانا به صاحب الشريعة ومن سنن رسوله الكريم في الفقرات القادمة.

اقرأ أيضًا: كيف يكون الابتلاء في النفس

أمر المؤمن كله خير

عندما نأتي لذكر الابتلاء فنكون على علم ويقين إن الابتلاء لا يأتي إلا للعباد الصالحين ليختبرهم الله في دينه أو ليكفر عن ذنوبهم وسيئاتهم، ويعد لهم جنة الثابتين، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له“، صحيح مسلم.

فلا يفزع العبد من قسوة البلاء ولكن يكون دومًا على يقين إن روضة الله مُعدة له جزاء صبره، فلا نعطي تلك المرحلة الدنيوية التي نمر عليها للوصول لدار الخلود في الآخرة أكثر مما تستحق، ولا يغرنا بها خيرها فنظن أننا بها خالدين ولا ينفرنا منها شقاؤها فنظن أننا لم نخلق لنذوق النعيم.

فإن المؤمن لا يكون إلا في خير، فعندما تصيبه الخيرات والنعيم من الله عز وجل، يكون من الشاكرين لجلالته سبحانه وتعالى، فإن كان ما أصابه من الوقائع مصائب وهموم ونزلات ابتلاء فلا يكوننّ إلا من الصابرين.

فصبره ما هو إلا يقين من رحمة الله، فلا يعاقب الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين، فقط يعدهم لجنته فيكونوا بها من الخالدين، فكما قال الله تعالى: “إن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ (127)” سورة النحل.

فلا يترك العبد سبيلًا لدخول الشيطان أبدًا بجعله يظن أن اختبارات الله هي عقوبات عن سوء عمله، فالمؤمن التقي هو من يعرف الفرق بين الابتلاء والعقوبة، حتى لا يترك مدخلًا للشيطان يصيبه منه.

الابتلاء بالعطاء أشد العقوبات

كما ذكرنا سابقًا خلال تعرفنا على الفرق بين الابتلاء والعقوبة أن الابتلاء قد يبدو ظاهريًا أقل شدة من العقوبة، فيزيد الله من ابتلاء العباد الصالحين ليزيد صبرهم وعظمة مكانهم في الآخرة يوم الدين.

لكن العقوبة قد تبدو من ظاهرها أكثر ما قد يكون به الإنسان في نعيم، فهناك من يعاقب بكثرة المال وهناك من يعاقب بالسلطة، والكثير ممن تبدو للعين نعيم وخير وما هي في باطنها إلا بلاء.

فإن زاد تكبر وظلم العباد ومعصيته لله، زاده الله من الخير والنعيم حتى يكون كل ذلك في ميزان عقابه في آخرة رب العالمين، فتقوم عليه الحجة بما قدمه له رب العالمين فلم يحسن رعايته واستخدامه للخير.

فمن وُهب المال ولم يكثر من الزكاة والصدقات ورعاية المحتاجين كان المال عليه عقاب عظيم، ومن ملك السلطة فلم يراعي شرع الله وأحكامه فإنها مكانته تزيد ظلمًا وقهرًا، فلن تكون سلطته إلا عقابه يوم الدين.

فالنعيم قد يكون هو البلاء بعينه الذي يصيب من لا يعرف الفرق بين الابتلاء والعقوبة فتكون عقوبته هي النعيم الذي يسيء استخدامه.

فالمؤمن إن كان على يقين بما هو آتٍ له في آخرة رب العالمين جزاء صبره وتقواه، سوف يتعجل نزول عذابه عليه في الدنيا فيكفر من خلاله عذابه في الآخرة.

اقرأ أيضًا: ما الفرق بين البلاء والابتلاء ؟

عقوبة ترك فرائض الله

قد ينخدع القراء بعنوان النص وبما سوف يحمله مضمونه، فيظن إن مضمونه هو ذكر العقوبات التي تقع على من يترك الفرائض والحقيقة غير ذلك، فإن ترك الفرائض هو العقوبة في حد ذاتها.

هنا يمكن أن نعود لما قد ذكرناه سلافًا بأن العقوبة قد تبدو لمن شغلته الدنيا عن خلود الآخرة أقل ضررًا من الابتلاء، لكن ما من عقوبة قد تصيب الإنسان أشد من العقوبة في دينه، فلا يلتفت لتشريعات الله ولا يؤدي فرائضه، ويخالف نصوص دينه فيجد نفسه من الضالين.

فإن تلك هي العقوبة بعينها، فيجد العبد ذاته في جحيم الآخرة، في الدنيا في ضلال وشتات وفساد، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:

“الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ إن يُتْرَكُوا إن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)” سورة العنكبوت.

فيكون المؤمن واعيًا ومدركًا الفرق بين الابتلاء والعقوبة، فلا ينخدع بهم إلا الضالين.

الصبر على الابتلاء خير للعبد

كما سابق ذكرنا إن الدنيا وما فيها ما هي إلا لحظات عابرة في مقارنتها مع خلود الآخرة، فعندما نخطط للذهاب إلى مكان لا نلتفت كثيرين إلى شكل حافلة النقل وألوانها، ولا نلتفت لركابها.

فنحن على علم إن كل فترة تواجدنا بها ما هي إلا فترات لحظية سوف نقضيها ونصل لمكان شد رحالنا، كما أن كل ما في الدنيا من عذاب لا نقابله إلا بالصبر.

فيكون صبرنا هو رخصتنا لجنة الصابرين وما فيها من نعيم، فعندما نصل لننسى الدنيا وما فيها ولا نتذكر أننا قد مررنا بها بعذاب، كما ذكر في الحديث النبوي الشريف:

يؤتَى يومَ القيامةِ بأنعم أَهْلِ الدُّنيا منَ الكفَّارِ، فيُقالُ: اغمِسوهُ في النَّارِ غَمسةً، فيُغمَسُ فيها، ثمَّ يقالُ لَهُ: أي فلإن هل أصابَكَ نعيمٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا، ما أصابَني نعيمٌ قطُّ، ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا، وبلاءً

فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ، فيُغمَسُ فيها غمسةً، فيقالُ لَهُ: أي فلإن هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ، أو بلاءٌ، فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ، ولا بلاءٌ”، صحيح ابن ماجه.

فمن اختلط عليهم الأمر ولم يعرف التمييز بين العقوبة والابتلاء فظن إنه بمعصيته في نعيم، فقد خسر موضع وصوله ليستمتع برحلته.

اقرأ أيضًا: علامات الفرج بعد الابتلاء في المنام

الفرق بين البلاء والابتلاء

ذكرنا في السطور السابقة بأن المؤمن في ابتلاء إلى يوم الدين وفي الآخرة تقرير المصير، لكن بعد أن تعرفنا على الفرق بين الابتلاء والعقوبة، كيف نميز بين الابتلاء والبلاء؟

كما هو واضح لغويًا إن هناك ترابط كبير بين البلاء والابتلاء، فلا يميزهم إلا موضع حرفين، فكذلك في معناهم وحالهم فيكون الفرق بينهم هو:

  • البلاء: هو العام من الابتلاء، فلا يصيب العبد لكن يصيب العباد، كما حدث في الفترات الأخيرة من نزول بلاء الوباء على الأمم كلها، فكان ذلك بلاء على البشر أجمعين، فالبلاء هو اختبار الله للأمم كلها فلا ينزل على فرد بالخصوص.
  • الابتلاء: هو ما ينزل على المؤمن بالخصوص فلا ينزل على من حوله، فيصاب به واحد ويتحمل شقائه وحده، فلا يشارك أحد معاناته ولا يحمل أحد عناء أمره.

فسواء كان ما أصابنا هو بلاء أو ابتلاء، فنحن ملزمين بتحمله والصبر عليه لنمر موفقين من اختبار الدنيا لوعد الآخرة، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في قوله:

تبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)” سورة الملك.

دعوة انفراج الابتلاء

قد أصبحنا على يقين بأن الابتلاء ما هو إلا اختبار من رب العالمين، فلا نترك لعقولنا وقلوبنا سبيل لدخول الشيطان الرجيم منهما، فما الابتلاء إلا هو رحمة من رب العالمين حتى نكفر ذنوبنا فنصل له أنقياء طاهرين.

فقد أوصانا رسولنا عند الوقوع في الابتلاء بأن ندعو ونقول: “دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعا وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلا انتَ سبحانك إني كنتُ من الظالمينَ فإنه لم يدعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلا استجاب اللهُ له”، صحيح الترمذي.

فإن المسلم دومًا في ابتلاء وما كان الابتلاء إلا مغفرة من الله فلا ينخدع المؤمن ويظن إن اختبار الله عقاب.