الأسباب المعينة على الخشوع
الأسباب المعينة على الخشوع عديدة، حيث إنه يتعين على المسلمين الاقتداء بها حتى يحظون على الأجر والثواب من صلاتهم، فالخشوع في الصلاة هو طريق الاستقامة والصلاح ودخول الجنة، فمن خلال موقع زيادة سوف نذكر لكم اليوم الأسباب المعينة على الخشوع.
الأسباب المعينة على الخشوع
إن لفظ الخشوع من الألفاظ التي وردت في القرآن الكريم وارتبطت على وجه التحديد بالصلاة، وذلك كما جاء في قوله تعالى (خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ۖ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) [سورة القلم، 43].
فما هو الخشوع؟ فإن الخشوع من حيث اللغة هو فعل التذلل والتضرع، أما من حيث الشرع فهو خضوع القلب وانكساره لله – سبحانه وتعالى- وذلك من خلال تفاعل المصلين مع ما يتلونه ويؤدونه أثناء الصلاة.
مما يجعلهم يشعرون بأنهم في صلة دائمًا مع الله – عز وجل-، فإذا خشع القلب للخالق وانقاد نحوه وحده لا شريك له، فإن الخشوع سوف يتحقق في باقي الأعضاء، وبالتالي سيثاب المسلم على صلاته، ويستجاب دعاؤه، وينال عظيم الأجر والحسنات.
فلكي يتحقق الخشوع في الصلاة والذي يعد ركن من أركانها، ينبغي على المسلم أن يحرص ويلتزم بكل ما يُحققه، ويزيده، ويتجنب كل ما يعارضه ويقلله.
ذلك من خلال التعرف إلى الأسباب المعينة على الخشوع وتنفيذها على أتم وجه، حيث إننا سوف نسردها لكم بوضوح في السطور التالية:
1- حضور القلب يعين على الخشوع في الصلاة
أحد أهم الأسباب المعينة على الخشوع هي حضور القلب كما أسلفنا الذكر، فعلى الرغم من أن الصلاة تبدو وكأنها عملًا يقوم به سائر البدن، إلا إنه يلزم أن تكون نابعة من داخل القلب.
فعلى العبد أن يقف متضرعًا بين يدي ربه بقلبه قبل جسده، وذلك من خلال جعله حاضرًا في كل قول خلال الصلاة أو فعل، إلى جانب جعله مدركًا لكل آية قرآنية يتم قراءتها، وفاهمًا لكل حركة يتم أدائها.
فإذا استحضر المسلم قلبه في الصلاة أي استشعر بأنه بحاجة كبيرة لخالقه زاد خشوعه لله، وتجلى في إقراره بألوهيته وبإيمانه برسوله – صلى الله عليه وسلم-، ويُجدر بالإشارة إلى قول إن هذا الأمر سوف يجعل الصلاة كاملة ومقبولة.
اقرأ أيضًا: تجربتي مع سورة الواقعة لمنع الفقر وجلب الرزق
2- تذكر الوقوف بين يدي الله من علامات الخشوع
أن تستحضر النية وتتذكر أنك تقف بين يدي الله خلال الصلاة فإن هذا أبرز الأسباب المعينة على الخشوع، فما عليك إلا عند رفع يديك لتكبيرة الإحرام أن تخضع وتستلم استسلامًا تامًا لله – عز وجل-، فتترك كل ما هو يشغل قلبك من أمور الدنيا.
فتدرك أنك في حضرة خالقك العظيم، ويقول بعض العلماء من الممكن أن يتم استحضار نية الوقوف بين يدي الله – عز وجل- من خلال تذكر المصلي وكأنه يقف أمام ملك عظيم من ملوك الأرض بكل خضوع وتذلل.
ثم يسأل حاله كيف تسوّل له نفسه أن يقف شارد الذهن وعقله غائبًا بين واحدًا من أبرز الملوك، والله – عز وجل- المثل الأعلى بالطبع.
3- الاستعانة على الخشوع بالصلاة في أوقاتها
واحدًا من الأسباب المعينة على الخشوع هي إقامة الصلاة في أوقاتها وعلى أتم وجه، وذلك لأن أداء الصلوات في أول أوقاتها دلالة على محبة العباد لله – سبحانه وتعالى- وتسارعهم في لقائه والتواصل معه.
لكن ترك الصلاة إلى آخر وقت دلالة على اللهو في الدنيا والانشغال بها، وهذا الأمر يشير إلى الغفلة العظيمة، فمن تعجل في أداء الصلاة نال أجرًا عظيمًا لا سيما إذا أخشع فيها.
4- الخشوع في الصلاة من خلال تدبر القرآن
تدبر القرآن هو واحدًا من الأسباب المعينة على الخشوع أثناء الصلاة، حيث إنه يتعين على المصلين أن يدركوا بشكل عظيم لمعاني آيات سورة الفاتحة التي تُقرأ في كل الركعات، ومعاني آيات السور التي تتلي بعدها في الركعة الأولى والثانية.
ففي حالة تمعنهم في كل آية فإن ذلك الأمر سوف يرسخ في قلوبهم القيم النبيلة والجليلة، ولقد حثنا الله – عز وجل- في كاتبه العزيز على ذلك، حيث إنه قال – تعالى- (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [سورة النساء، 82].
فهذا الأمر بالطبع يعين على الخشوع في الصلاة، ويُجدر بالإشارة إلى قول إن رسول الله – صلى الله عليه- وسلم أمرنا بتدبر آيات سورة الفاتحة وقراءتها بتمعن ودقة لأن الله يجيب على كل آية فيها للمصلى.
فعن أبو هريرة – رضي الله عنه- عن الرسول – صلى الله عليه وسلم- أنه قال “ إن اللهَ تعالى يقولُ: قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ، نصفُها لي ونصفُها لعبدي ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ :{ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين } قالَ اللهُ: حمِدني عبدي، وإذا قالَ:{ الرحمنُ الرحيمُ } قالَ اللهُ: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ:{ مالكِ يومِ الدينِ } قال اللهُ عز وجل: مجّدني عبدي، وفي روايةٍ فوَّضَ إليَّ عبدي، وإذا قالَ:{ إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعينُ } قال: فهذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفينِ ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ:{ اهدنا الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ } قال: فهؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ “.
اقرأ أيضًا: ما فضل الخشوع؟
5- التأني في الصلاة يعين على الخشوع
يتجلى الخشوع بشكل واضح وتكون الصلاة صحيحة عندما يعمل المصليين على التمهل في أدائها أو ما يُعرف بالتأني، وذلك من خلال منح كل ركن فيها حقه، فيكونوا مطمئنين في وقوفهم عند الوقوف، وفي ركوعهم عند الركوع، وفي سجودهم عند السجود.
فالتأني في الصلاة والسكون يعد بمثابة سبب رئيسي من الأسباب المعينة على الخشوع، بينما العجلة هي سبب من أسباب ذهابه إلى جانب إفساد الصلاة، فإذا ذهب الخشوع الناتج عن التأني لم يدرك المصلي كيف صلى وكم ركعة صلى، وما تم قراءته فيها.
كما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- نهى عن العجلة في الصلاة، وأمر بأن من يفعل ذلك عليه أن يرجع لكي يصلي مرة أخرى، ذلك كما في الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك عنه.
فالحديث هو: عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال “ تلْكَ صلاةُ المنافقِ يرقبُ الشَّمسَ حتى إذا كانت بينَ قرني شيطانٍ قامَ فنقرَ أربعًا لا يذْكرُ اللَّهَ فيها إلَّا قليلًا“.
6- استحضار الخشوع في الصلاة بتذكر الموت
كان سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم- يرى أن أهم الأسباب المعينة على الخشوع والتي كان يوصي بها أصحابه هي تذكر الموت، وتأدية كل صلاة وكأنها الأخيرة.
فإن ذلك الأمر سوف يجعل المصلي يزداد في خشوعه لله وإقباله عليه، وتدبره في صلاته، فالشعور بدنو الموت يبث داخل الأنفس الرهبة والخوف، مما يؤدي إلى جعل المصلين يصلون وكأنهم يودعون الدنيا فيها ويتجهون إلى يوم الحساب.
7- التخلي عن الحركة والالتفات يعين على الخشوع
من الأمور التي صُنفت على أنها أبرز الأسباب المعينة على الخشوع هي ترك المصلين الحركة خلال الصلاة والالتفات دون داعٍ أو فالحركات التي لا تعد من أصل الصلاة تضعف الخشوع.
من أبرز هذه الحركان هي قضم الأظافر، أو العبث بالملابس، أو حك الرأس، فإن الخشوع يتركز في السكون الجسدي، ويُجدر بالإشارة إلى قول إن كثرة الحركة قد تبطل الصلاة.
8- الطلب من الله الخشوع في الصلاة
الدعاء هي الوسيلة التي من خلالها يتم الاستعانة على مختلف الأمور الدنيوية والأخروية، كما أنه يعد واحدًا من الأسباب المعينة على الخشوع، فمن يرغب في التقرب من الله وتأدية الصلاة على أتم وجه، عليه أن يدعوا الله بذلك.
فقلب المؤمن بيد الله – عز وجل- وحده فهو قادرًا على أن يوجهه للخشوع في الصلاة، وعلى أن يؤديها دون نقص فيها، أو تشتت.
مسببات أخرى معينة على الخشوع
لن تقتصر الأسباب المعينة على الخشوع على هذا الحد فقط، فهناك العديد من الأمور الأخرى التي إذا التزم بها المصلي لاستطاع أن يزيد من قوة خشوعه في الصلاة، ونال الأجر والثواب الكامل على ذلك، ومن هذه الأسباب ما يلي:
- الاستعداد والتهيؤ للصلاة، وذلك من خلال الضوء الجيد، وتسوية الصفوف عند الصلاة، والشعور بالاطمئنان فيها إلى جانب التزام الدعاء بين الأذان والإقامة.
- البعد عن التركيز في الصلاة على ترديد نفس الآيات والأدعية والأذكار، فالتنوع يساهم في تقوية الخشوع.
- في حالة المرور أثناء قراءة القرآن في الصلاة بسجدة تلاوة، فإنه ينبغي أن يتم تأدية سجود التلاوة.
- الاستعاذة بالله – عز وجل- من الشيطان الرجيم قبل بدء الصلاة حتى يطرده ولا يشتت المصلي عن أدائها على أتم وجه.
- يمكن للمسلم أن يطلع إلى حال السلف الصالح خلال أوقات التفرغ والتعرف إلى سيرتهم وتجاربهم في الخشوع، فإن سيدنا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- كان عندما يصلي تتغير حالته إلى جانب لون وجهة بسبب اعتباره ذلك الوقت بوقت الأمانة.
- التعرف إلى ثواب الخشوع في الصلاة، فلقد روى عثمان بن عفان – رضي الله عنه- عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال “ما من امرئٍ مسلمٍ تحضُرُه صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسِنُ وَضوءَها وخشوعَها وركوعَها، إلا كانت كفارةً لما قبلَها من الذنوبِ، ما لم تُؤْتَ كبيرةٌ، وذلك الدَّهرَ كلَّه“.
- عدم تأدية الفروض من الصلوات في حالة حصر البول أو الريح، أو عند الرغبة في النوم أو تناول الطعام، فعن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها- عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أنه قال ” لا صَلَاةَ بحَضْرَةِ الطَّعَامِ، ولَا هو يُدَافِعُهُ الأخْبَثَانِ”.
- تجنب خلال الصلاة التثاؤب أو رفع البصر على الأعلى لأن تلك الأمور تنقص من الخشوع.
- النظر دائمًا إلى موضع السجود خلال الصلاة، فهذا يزيد الخشوع.
أسباب لا تعين على الخشوع في الصلاة
بعد أن تعرفنا إلى الأسباب المعينة على الخشوع، فإننا سوف نعرض لكم الأسباب المناقضة لها والتي لا تعين المصلى على التذلل والخضوع لله خلال الصلاة، وهي كالآتي:
- الاختصار في أداء الصلاة.
- العبث الكثير خلال الصلاة والحركة سواء بالملابس أو باللحية.
- فرقعة الأصابع تقلل من الخشوع في الصلاة.
- العمل على إلصاق القدمين فقد أجمع العديد من الفقهاء على أن ذلك الأمر مكروهًا.
- ارتداء الملابس التي تلهي عن الصلاة.
اقرأ أيضًا: أجمل أدعية الخشوع في الصلاة متنوعة ومميزة
فضائل الخشوع في الصلاة
للخشوع في الصلاة العديد من الآثار الحسنة والفضائل، وفيما يلي سوف نذكرها لكم:
- الخشوع في الصلاة يكفر الذنوب، وذلك كما روى أبو هريرة – رضي الله عنه- عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ” الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ ما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ“.
- يساهم الخشوع في الصلاة في استجابة الدعاء.
- من يخشع في صلاته تقل طاعاته وجميع أعماله.
- نيل الثواب العظيم الذي وعد به الله – عز وجل- عباده الخاشعين في الصلاة.
- الخشوع يحقق صفة الفلاح، كما في قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)) [سورة المؤمنون].
- يعمل الخشوع على مساعدة المسلم في حب الصلاة والمسارعة لأدائها في أوقاتها، وتجنب ما حرمه الله.
استحضار القلب، والنية إلى جانب تأدية الفروض في أوقاتها، وتذكر الموت، أمورًا تعين على الخشوع في الصلاة، وترزق المصلى بالعديد من الثمرات الحسنة.
