عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة
عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة غير متحملة من البشر، فتصيبهم في الدنيا من المشاكل والصعاب ما تنغص على العاق لوالديه حياته، وفي الآخرة ما يجعله يتحسر على ما فاته.
لذلك في السطور القادمة عبر موقع زيادة سنعرض لكم عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة، وما جاء في أقوال العلماء عن هذه المسألة شديدة التأثير في المجتمع العربي.
عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة
الوالدين هما الخير والبركة في هذه الدنيا بالنسبة لأي إنسان، ووجودهما في الحياة كنز لا يقدر بثمن، لما فيه من الدعوات التي لا تخطئ الابن إن كان بارًا بهما، ولبر الأبوين المنزلة العظيمة في الشريعة الإسلامية.
فورد ذكر الوالدين في أكثر من آية قرآنية، فكان أشهرها ما ورد في سورة الإسراء:
(وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
الشاهد السابق من سورة الإسراء الآيتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين، والذي يضاد البر في اللغة العربية هو العقوق، والعقوق هو عدم طاعة الوالدين في الأمور الصالحة سواء أكانت من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة التي فيها صلاح له.
فمن عظم قدر بر الوالدين أن الذي يعق والديه سيصلى العذاب في الدنيا، وفي الآخرة، وسَيُعَامَل من أبنائه بمثل ما عامل به أبويه، ومن صور عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة:
- لعنة الله “اللعن هو الطرد من رحمة الله التي وسعت كل شيء”.
- استجابة دعاء الوالد أو الوالدة على الابن العاق.
- لا يدخل الجنة.
- يعذب في النار.
- يفتح الله عليه بابًا من أبواب جهنم.
- تُنزع البركة من حياته.
كما أن القوانين العربية قد وضعت عقوبات مغلظة على العاق لوالديه، فمثلاً عقوبة العاق لوالديه في القانون السعودي الحبس والجَلد.
بينما في القانون المصري السجن 3 سنين والغرامة 10 آلاف جنيه مصري، وفي قانون الجزائر يسجن من 5 ل 10 سنين، الحال في القانون التونسي مثل الجزائري، وهي الحبس دون أن يدفع غرامة مالية.
اقرأ أيضًا: هل عقوق الوالدين من الكبائر
عقوق الوالدين في السنة النبوية الشريفة
في السطور السابقة أوضحنا أن عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة حسب ما ورد إلينا من الآثر، وما أقرته القوانين العربية، ولأن السنة النبوية الشريفة هي المرجع الثاني بعد القرآن الكريم في أخذ التشريعات.
لذلك في هذه الفقرة سنعرض لكم عقوبة العاق لوالديه حسب ما جاء في السنة.
الحديث الأول الذي ورد عن رسول الله في بيان عظم عقوق هو الحديث الذي رواه الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله، وأخرجه البخاري في صحيحه:
” إنَّ أَكْبرَ الكبائرِ عقوقُ الوالدين، قالَ: قيلَ: وما عُقوقُ الوالِدَينِ؟ قالَ: يَسبُّ الرَّجلُ الرَّجلَ فيسبُّ أباهُ ويسبُّ أُمَّهُ فيسبُّ أُمَّهُ“.
الكبائر أو الموبقات هي الذنوب العظيمة، التي قد تهوي بمرتكبها إلى قرار جهنم في سَقَر، ومنها الشرك بالله، وهو أكبر الذنوب التي قد ترتكب، فيما يليه السحر، ومن الكبائر هي عقوق الوالدين.
فكما قيل أصدق البشر إنها أكبر الكبائر التي قد يرتكبها الإنسان، وعقوبة مرتكب الكبيرة هو النار إلا إن تاب عما فعل دون أن يشرك بالله، وقضى حق والديه عليه، وكسب رضاهما.
أما الحديث الثاني فهو الحديث الذي رواه أبو بكرة نفيعة بن الحارق، وأخرجه الألباني صحيحًا في صحيح الجامع برقم 137، والحديث هو:
“اثنانِ يُعجِّلُهما اللهُ في الدنيا: البغيُ، وعقوقُ الوالدَينِ“.
المراد بقول رسول الله يعجل بهما هو التعجيل بالعقوبة في الدنيا بخلاف العقاب في الآخرة، والبغي هي المرأة ذات الأخلاق الغير حسنة، ويا له من جمع في أن يجمع الرسول بين صنفين من الناس من أسوأ الأخلاق، فمنهم من لا يحترم الدين أو المجتمع، والآخر لا يراعي أهله.
عقوق الوالدين وعقوبته عند الأئمة الأربعة
الأئمة الأربعة هم الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو حنيفة النعمان، والإمام مالك بن أنس، وهؤلاء الأئمة الأربعة قاموا بشرح ما جاء من أحكام وشرائع القرآن والسنة وتيسيرها، ومن ضمن ما عرضوا أحكامه في مذاهبهم عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة، وذلك فيما يلي:
1- ما جاء زاد المستقنع عن عقوق الوالدين
قال الشيخ محمد بن محمد المختار الأمين الشنقيطي في إحدى حلقات شرحه لكتاب زاد المستقنع الحنبلي، إن عقوق الوالدين من أكبر الابتلاءات التي أصابت الأمة الإسلامية في الفترة الأخير، وهي من الذنوب التي يلقى الإنسان جزاءه فيها قبل الموت.
فقد تقل بركته في كسبه للرزق، وقد يتعرض للأذى الجسدي الذي يصيبه من أمراض أو إصابات.
اقرأ أيضًا: ما هو عقوق الوالدين
2- الفقه الحنفي وقضية عقوق الوالدين
جاء في “المعتصر من المختصر من مشكل الآثر” من تأليف جمال الدين الملطي، بيان الإثم العظيم الذي يلقاه من يرتكب الكبيرة والذنب، واستشهد بالحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخرجه شعيب بن أرناؤوط في مشكل الآثر برقم 891:
“جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ عليه السَّلامُ فقال: يا رسولَ اللهِ، ما الكبائرُ؟ قال: الإشراكُ باللهِ، قال: ثمَّ ماذا؟ قال: ثمَّ عُقوقُ الوالِدَيْنِ، قال: ثمَّ ماذا؟ قال: ثمَّ اليَمينُ الغَموسُ“.
3- عقوق الوالدين عند المالكية والشافعية
أورد الإمام محمد بن رشد القرطبي في “البيان والتحصيل (فقه مالكي)”، والإمام أبو إسحاق يوسف الشيرازي في “المذهب في فقه الإمام الشافعي” أن عقوق الوالدين تكون عقوبته في الدنيا والآخرة هي مساوية لعقوبة مرتكب الكبائر.
فيعذب في النار، ويلعن من الله، ويكرهه الناس إن لم يتب ويرجع إلى الله، ويسترضي أبويه إن كانا على قيد الحياة، وطلب المغفرة من الله عسى أن يتقبل منه التوبة ويخفف عنه العذاب.
اقرأ أيضًا: حكمة عن بر الوالدين وهل تعلم عن بر الوالدين؟
هل للعاق لوالديه باب توبة؟
في السطور السابقة عرضنا لكم العديد من طرق عقوبة عقوق الوالدين في الدنيا والآخرة، لكن الإنسان بطبيعته أواب وخطاء، فقد يخطئ ويعود عن خطئه هذا، فهل لمن عق أبويه توبة؟ في هذه الفقرة سنعرض لكم أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
جاء في سورة يوسف في الآية السابعة والثمانين:
(وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
لذا فإن باب التوبة مفتوح إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى في أن تطلع الشمس من مغربها.
كما قال الدكتور مجدي عاشور مستشار مفتي الجمهورية أن التوبة لمن عقَّ أبويه وقد ماتا بأن عليه الرجوع إلى الله عز وجل، والتوبة، والإنابة، والإكثار من عمل الخير، وقراءة القرآن الكريم، والدعاء لهما بالخير والرحمة، والصدقات الجارية.
أما لمن عق أبويه ومازالا على قيد الحياة فعليه أن يتوب إلى الله أولاً، ثم الذهاب إليهما ويطلب رضاهما وهو من قول ابن باز، أما قول ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب فلم يزد على ابن باز إلا أن العقوق من حق الآدميين، وعليه برد الحق لصاحبه.
الأبوين هما الكنز الحقيقي في حياة الإنسان، وأساس حياته وميزانها، فإن لم يوازن في فعل الخير لهما انقلب الحال رأسًا على عقب، وعليه بأن يكون من الأوابين التوابين.
